البنية‌ الشخصية‌ عند مدرسة‌ علم‌ النفس‌ الإسلامي‌

الترجمة العربیّة: هاشم نجفی زاهد

البنية‌ الشخصية‌ عند مدرسة‌ علم‌ النفس‌ الإسلامي

 

إنّ شخصیّة الإنسان مترادفاًبلفظ “أنا” فی محاوراتنا الیومیّة قال فی شأنه المحدّث القمّیّ: “قال شیخنا البهائي: المذاهب فی حقیقة النفس- أعنی ما یشیر إلیه کلّ أحد بقوله “أنا” کثیرة،  و الدّائر منها علی الألسنة و المذکورة فی الکتب المشهورة أنّها جوهر مجرّد عن المادّة الجسمانیّة و العوارض الجسمانیّة، لها تعلق بالبّدن، تعلّق التدبیر و التّصرّف، و الموت هو قطع هذا التعلّق؛ و هذا هو مذهب الحکماء و أکابر الصّوفیّین و الإشراقیّین، و علیه إستقرّ رأی المحقّقین من المتکلّمین کالإمام الرّازي و الغزالي و المحقق الطّوسي و غیرهم من الأعلام، و هو الذی أشارت إلیه الکتب السماویّة، و إنطوت علیه الأنباء النّبویّةو قادت علیه الإمارات الحسِّة و المکاشفات الذّوقیّة(اُنظر سفینة البحار لمحدّث القمّيّ، ج1، ص46)


و يري‌ الإمام‌ علي‌(ع) أن‌ّ الهيكل‌ الشخصي‌ للإنسان‌ قد بني من‌ الجزئين‌المركّبين‌،  یعنی العقل و الشهوة، فقال الإمام(ع) فی هذا المجال: “إنّ الله رکّّب فی الملائکة عقلاً بلا شهوة، و رکّب فی البهائم شهوة بلا عقل، و رکّب فی بنی آدم کلتیهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خیر من الملائکة، و من غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم(وسائل الشیعة، ج11،ص164). و قال‌ الإمام‌علي‌(ع) أیضاً: “العقل عقلان: عقل الطبع و عقل التجربة، و کلاهما یؤدّي إلی المنفعة(بحار الأنوار، ج75، ص7) فعلی هذا فان‌ّ العقل‌ ذو بُعدين‌: “عقل‌ مطبوع‌”و”عقل‌ مسموع‌”. ويعرّف‌ العقل‌ المطبوع‌ أو العقل‌ الطبيعي‌ بأنّه‌ العقل‌ الفطري‌والفطرة‌ والوجدان‌ أيضاً. ويستعمل‌ العقل‌ المسموع‌ بمفهوم‌ العقل‌ المجرّب‌والمكتسب‌ وأنّه‌ نتاج‌ لجهاز الاعصاب‌ المركزي‌. ونظراً إلي‌ هذه‌ الحقيقة‌، وهي‌ أن ‌ّللعقل‌ المكتسب‌ سيراً وعملاً ثابتاً، فالتفاعلات‌ النفسية‌ للإنسان‌ في‌الحقيقة‌ نتيجة‌ لطاقة‌ العقل‌ الفطري‌ والشهوة‌.

الشهوة وتضادّه مع العقل الفطريّ

الشهوة له وجود فی جمیع مراحل حیاة الإنسان، و یمکن أن یقوّی أو یضعّف فحسب.

قال علی (ع):

“ألشَرُّّ كامِنٌ في وُجُودِ كُلّ أحد ؛ فَإن غَلَبَهُ صاحِبهُ بَطَنَ، وَ إن لَم یَغلِبهُ ظَهَرَ(غررالحکم،ج2، ص161).

المقصود من کمون الشر فی الإنسان، وجود الشهوة بشکل غریزِی و ذاتی و عند وقایتها بسیطرة العقل علیها بطنت(تنتظر الفرصة) و عند عدم وقایتها تظهر فی البنیة الشخصیة للإنسان، یسعی تیار الشهوة دائما إلی الهیمنة علی الشخصیة بأسرها، و تضرم نارا للحرب مع تیّار الفطرة دائما لإشباع رغباته و الحصول علی اللذة إلی أقصی حد.

وقال‌ النّبي‌ّ(ص) بأن‌ّ هناك‌ صراعاً يدور دائماًبين‌ التيّارين‌: الفطرة‌ “العقل‌ الفطري‌” والشهوة‌، وعبّر عن‌ هذا الصراع‌ بأنّه‌ حرب‌حقيقية‌، وأضاف‌ إلی أن‌ّ الحرب‌ بين‌ هذين‌ التيّارين‌ أشدّ من‌ الحرب‌ الدائرة‌ بين‌ عدوّين‌متخاصمين‌. إن‌ّ الإنسان‌ إذا استطاع‌ أن‌ يغلّب‌ عقله‌ الفطري‌ «الفطرة‌» علي‌الشهوة‌ يكون‌ أفضل‌ من‌ الملائكة‌، ولكن‌ إذا تغلّبت‌ الشهوة‌ وسادت، ‌ يكون‌ أدني‌ من‌الحيوان‌، وفي‌ الحقيقة‌ يثبت‌ في‌ بُعده‌ الحيواني‌.

لصراع بین الفطرة و الشهوة مستمرّ حتی حصول الأجل و سمّی الرسول الأکرم (ص) هذا الصراع بإسم” الجهاد الاکبر”:

قال علی (ع) : إنّ رسول الله (ص) بعث سریة،  فلمّا رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقی علیهم الجهاد الأکبر؛ قیل یا رسول الله (ص) و ما الجهاد الأکبر؟ فقال: جهادالنفس و قال (ع):إنّ أفضل الجهاد من جاهد نفسه التی بین جنبیه(وسائل الشیعة، ج11، ص124).

هوی النفس مترادف للشهوة غیر المنضبطة الحاکمة علی العقل الفطری.

و عند الغور فی التعلیمات الإسلامیة نشاهد هناک صفات مشابهة للشّهوة و هوی النفس معا.

و نلّخّص بعض صفات الشهوة و الهوی من غررالحکم فی الکلمات القصار للإمام علی(ع) کما یلی:

الشهوة حرب(سالبة العقل)( غررالحكم، ج1، ص59).

سبب فساد العقل الهوی(نفس المصدرج3ص294).

الشهوات قاتلات(نفس المصدرج1ص55).

الهوی یردی(نفس المصدرج1ص16).

الشهوة احدّ المغویین(نفس المصدرج2ص23).

الهوی اعظم العدوین(نفس المصدرج2ص26).

الشهوات أضرّ الأعداء(نفس المصدر (ج1ص206)0

الهوی عدوّ متبوع(نفس المصدرج1ص85).

لا تفسد التقوی إلا غلبة الشهوة(نفس المصدرج6ص376)

لا دین مع هوی(نفس المصدرج2ص162).

الشهوات تسترق الجهول(نفس المصدرج1ص230).

مغلوب الهوی دائم الشقاء موبد الرّق(نفس المصدرج6ص139).

کم من عقل أسیرعند هوی أمیر(نفس المصدرج4ص546).

لقد عرّف‌ الإمام‌ علي‌(ع) تيّار الشهوة‌ بأنّه‌ تيّار نفسي‌ يناقض‌ الفطرة‌ “العقل‌الفطري‌”، فقال‌: “الهوي‌ ضدّ العقل‌”(نفس المصدر، ج1، ص258).

العوامل‌ البنّاءة‌ لقوّة‌ التعقّل‌

عند دراسة التّعلیمات الإسلامیة یمکن أن نتوصل إلی هذه النتیجة: أنّ عامل العقل یهدی الإنسان بواسطة التنسیق بین القوی النفسیة و یبیّن له الطریق الواضح فی کلّ لحظاته(وسائل الشيعة،ج11ص164 – علل الشرائع ص4).

وأکّدت التعلیمات الإسلامیة أنّ نظام حیاة الإنسان و قوامه اُقیم علی أساس العقل(“غررالحکم و درر الكلم” أثر عبدالواحد بن محمّد التميميّ الآمديّ- من مطبوعات جامعة الطهران- عام1366 ه.ق. ج1ص13) و هو الحجّة الباطنیّة و هو رسول من الله تبارک و تعالی(اصول الکافی، ج1، ص16)، وهو ودیعة الله الذی وضع فی الإنسان.و یؤدّی الوجدان(العقل الفطری) إلی الإطمئنان النفسی(غرر الحکم،ص7)و یستخدم العقل کوسیلة الشفاء لعلاج أمراض الإنسان و حل مشکلاته(غرر الحکم، ج1، ص12). و یمکن تقییم میزان التعقل فی الانسان عند سماع کلامه(غررالحكم، ج1، ص401). 

عرّف‌ الإمام‌ علي‌ّ(ع) العقل‌ بأنّه‌ يتكوّن‌ من‌ شعبتين‌:

1 ـ العقل‌ الفطري‌ “المطبوع‌”.

2- العقل‌ المكتسب‌، المسموع، أو العقل التجربيّ

*************************

1 ـ العقل‌ الفطري‌ “المطبوع‌”.

إن‌ّ المراد بالعقل‌ الفطري‌ أو المطبوع‌ هو إستيعاب‌ القسم‌ الأعظم‌ لتيّار الفطرة‌. ولفطرة‌ الإنسان‌ جوانب‌ عاطفيّة‌ أيضاً، فمثلاً أن‌ّ مماشاة‌ الأشخاص‌ المتّفقين‌ في‌الرأي‌ ومعاداة‌ الاشخاص‌ المتناقضين‌، هو أحد ظواهر البُعد العاطفي‌ للفطرة‌. لقدبلغ‌ تفوّق‌ البُعد العقلي‌ في‌ الفطرة‌ حدّاً بحيث‌ إستعمل‌ لفظ‌ “العقل‌” بدل‌ لفظ‌ “الفطرة‌” في‌ التعليمات‌ الدينيّة‌ في‌ أغلب‌ الموارد. إن‌ّ جميع‌ الصفات‌ الّتي‌ ذكرت‌ للفطرة‌ تصدق‌ علي‌ مورد العقل‌ الفطري‌ أيضاً، و في‌ الحقيقة‌ أن‌ّ العقل‌ المطبوع‌ أوالعقل‌ الفطري‌ ما هو إلّاّ الفطرة‌ بعينها. و ليس‌ للفطرة‌ و العقل‌ الفطري‌ مركز خاص‌ في‌ جسم‌ الانسان‌، والدماغ الذي‌ عرّف‌ بأنّه‌ مركز التعقّل‌ يكون‌ مركزاً للعقل‌ المكتسب‌. وفي‌ الحقيقة‌ فإن‌ّ الفطرة‌ هي‌ الطبيعة‌ الأصلية‌ لعامل‌ الحياة‌ في‌ الإنسان‌ دون‌ الاتّصال‌ بالمادة‌. ولتسهيل‌ إدراك‌ الموضوع‌ يمكن‌ تشبيه‌ عامل‌ الحياة‌ بالتيّار الكهربائي‌، إذ هوذو آثار خاصّة‌ تتعلّق‌ بنفس‌ التيّار، فضلاً عن‌ تمتّعه‌ بقدرة‌ تسيير الأجهزة‌ المختلفة ‌وتنشيطها. ويعتبر الإمام‌ علي‌ّ(ع) العقل‌ الفطري‌ عاملاً محفّزاً علي‌ العدل‌ ورادعاً من‌التصرّفات‌ المشينة‌.

و علی هذا الأساس يمكن‌ أن‌ نستنتج‌ بدراسة‌ المفردات‌ والاصطلاحات‌ والتعليمات‌ الخاصة‌ التي‌أستعملت‌ في‌ الإسلام‌ أن‌ّ هذه‌ المدرسة‌ تقول‌ بوجود تيّارين‌ ذاتيين‌ رئيسيين‌ ثابتين‌ومتناقضين‌ في‌ الإنسان، أطلق‌ عليهما في‌ التعليمات‌ الدينية‌ الفطرة‌ والشهوة‌. وبين‌هذين‌ التيّارين‌ النفسيين‌ الذاتيين‌ حرب‌ وصراع‌ علي‌ الدوام‌، ويستمرّ هذا المنوال‌ إلي‌ نهاية‌ عمر الفرد. وعلي‌ أي‌ّ حال‌ فإن‌ّ كلا التيّارين‌ النفسيين‌ الرئيسيين‌ لا ينعدم‌كلّياً، بل‌ يضعفان‌، ويمكن‌ بتغيير الحالة‌ النفسية‌ للفرد أن‌ يقويا وينموا مجدّداً في‌الظرف‌ المناسب‌.

إن‌ّ العامليتين‌ النفسيتين‌ المختلفتين‌ والمتناقضتين‌ الموسومتين‌ بالفطرة‌ والشهوة‌، تمارسان‌ نشاطهما في‌ الإنسان‌، وكلتاهما ذاتية‌ وغير مكتسبة‌. ولتيّار الفطرة‌ النفسي‌أهداف‌ تنزع‌ نحو الكمال‌ في‌ حالة‌ كون‌ تيّار الشهوة‌ ممثّلاً للحوافز الغريزية‌. ويتمتّع‌كل‌ّ من‌ التيّارين‌ بطاقة‌ خاصة‌،

ويكوّن‌ إرادة‌ الحرّة للإنسان‌ ‌ نتيجة‌ لإختلاف‌ مدي‌ قدرة‌ تيّار الفطرة‌والشّهوة‌ک “الجمع‌ الجبريّ( algebraic)لطاقتيهما ، أي‌ إذا كان‌ لفطرة‌ الإنسان‌ قدرة‌ أكثر فإنّها تتغلّب‌ علي‌ تيّار الشهو‌ة‌، وتسودعلي‌ الشخصية‌ برمّتها، وإذا إكتسب‌ تيّار الشهوة‌ قدرة‌ أكثر فإنّه ‌يتغلّب‌ علي‌ تيّار الفطرة‌، ويهيمن‌ علي‌ الشخصية‌ بأسرها ؛ وهي‌ نفس‌ الإرادة‌ التي‌ توجب‌ تقوية‌ أحد هذين‌ التيّارين‌ وتضعيف‌ الآخر،ويوجب‌ تقوية‌ أحد التيّارين‌ غلبته‌ وهيمنته‌ علي‌ التيّار الا´خر.

و تتكوّن‌ البنية‌ الشخصية‌ للفرد طبق‌ غلبة‌ أو هزيمة‌ أحد التيّارين‌ النفسيين‌المذكورين‌، ويدور صراع‌ مرير بين‌ هذين‌ العاملين‌ دائماً بناء علي‌ ما جاء في‌التعليمات‌ الدينيّة‌، لأجل‌ الظّفر بالسّيادة‌ الشخصية‌ والتفوّق‌ علي‌ التيّار الا´خر.

و قد أكّد الإمام‌ الخميني‌ أن‌ّ الفطرة‌ ذاتية‌ وغير مكتسبة‌، وإعتبرها ذات‌بُعدين‌:

1 ـ الفطرة‌ الاصلية‌: وهي‌ التي‌ تتمتّع‌ بطبيعة‌ تنزع‌ نحو الكمال‌، وتحفّز شخصية‌الإنسان‌ برمّتها علي‌ الظّفر بالتّنمية‌ والكمال‌ والقدرة‌ والعلم‌، وفي‌ الحقيقة‌ أن‌ّ هذاالبُعد من‌ الفطرة‌ ذو نزعة‌ ووله‌ للوصول‌ إلي‌ الله.

2 ـ الفطرة‌ التبعيّة‌: وهي‌ التي‌ تشمئزّ وتنفر من‌ أي‌ّ نوع‌ من‌ النقصان‌.

و أضاف‌ الامام‌ الخميني‌(قدّس‌ سرّه‌) قائلاً: إن‌ّ الكمال‌ المطلق‌ والجمال‌ الخالص‌والعلم‌ والقدرة‌ وسائر الكمالات‌ لا توجد علي‌ الإطلاق‌ بشكل‌ لا يشوبها نقص‌وحدّ سوي‌ ذات‌ الباري‌تعالي‌. فالإنسان‌ ـمغرم‌ـ بجمال‌ الله، ويهفو إليه‌ كيانه ‌وروحه‌، وإن‌ كان‌ هو نفسه‌ غافلاً عن‌ هذا الوله‌ والولع‌.

و يشير الإمام‌ الخميني‌ (قدّس‌ سرّه‌) في‌ النّهاية‌ إلي‌ تيّار الشّهوة‌ الذي‌ يكون‌ علي‌طرفي‌ نقيض‌ مع‌ الفطرة‌، ويؤدّي‌ إلي‌ حجبها وإستتارها، ويعدّ إرسال‌ أنبياء الله علي‌أساس‌ البشارة‌ والإنذار لرفع‌ هذه‌ الحجب‌ ومساعدة‌ البشر في‌ مسير الكمال‌، ويعتبرجميع‌ التّعليمات‌ الإلهيّة‌ ذات‌ صلة‌ بالفطرة‌، فقال‌: “إن‌ّ بعض‌ تعليمات‌ أنبياء الله كالتّوحيد تقبلها الفطرة‌ الأصلية‌ مباشرة‌، وأن‌ّ بعضاً آخر منها كالأحكام‌ العملية‌ تقبلهاالفطرة‌ الأصلية‌ بصورة‌ غير مباشرة‌ بواسطة‌ التّوجيه‌ مباشرة‌، وأن‌ّ بعضاً آخر منها كالاحكام‌ العملية‌ تقبلها الفطرة‌ الأصلية‌ بصورة‌ غير مباشرة‌ بواسطة‌ التوجيه‌ والبحث‌العام‌. وهناك‌ طائفة‌ من‌ أحكام‌ الأنبياء المنزلة‌ بصورة‌ النّهي‌ عن‌ الكفر والأعمال‌القبيحة‌ توافق‌ الفطرة‌ التبعيّة‌. وعلي‌ العموم‌ فإن‌ّ جميع‌ الأحكام‌ الإلهية‌ توافق‌مقتضيات‌ الفطرة‌ وتتعلّق‌ بها، وبالتّالي‌ فإنّها تهتك‌ الحُجُب‌ التي‌ تحول‌ دون‌ النموّ،وتقوّي‌ الفطرة‌ وتجعل‌ الإنسان‌ يسير في‌ طريق‌ الرّشد، إذاً فإن‌ّ جميع‌ الواجبات‌الدينيّة‌ هي ألطاف‌ إلهية‌ و‌ أدوية‌ ربّانية‌ لمرضي‌ الأمراض‌ النفسية‌ والقلوب‌ العليلة‌، وأن‌ّ الانبياء هم‌ أطبّاء النفوس‌ ومهذّبو الأرواح‌، فينتشلونها من‌الظّلمات‌ إلي‌ النّور ومن‌ النّقص‌ إلي‌ الكمال‌(كتاب “طلب و إراد‌‌ة” للإمام الخميني، الصفحة153 إلي157- مركز انتشارات علمي و فرهنگي).

و يعتقد العلاّمة‌ الطباطبائي‌ أيضاً أن‌ّ جميع‌ الأوامر الدّينيّة‌ تكون‌ طريقاً للإنكباب‌علي‌ إصلاح‌ النّفس‌ والإشتغال‌ بأمرها(تفسير الميزان 317:11). وتكون‌ قوانين‌ الدّين‌ الفطري‌ عاملاً لرأب‌الصدع‌ وبلوغ‌ الكمال‌، وتلبّي‌ كل‌ّ رغبة‌ من‌ رغبات‌ الإنسان‌ الحقيقية‌. إن‌ّ قبول‌التّوحيد والعمل‌ بقوانين‌ الدّين‌ الفطري‌ يجعل‌ طاقات‌ الفطرة‌ مزدهرة‌، ويوسّع‌ قابليّة‌الفرد النّفسية‌(كتاب “روش رئاليسم” للعلّامة الطباطبائي، الصفحة54 إلي 63-من مطبوعات”صدرا”). وفي‌ حالة‌ عدم‌ قبوله‌ فستكون‌ قابليّته‌ النّفسيّة‌ محدودة‌ جدّاً، ويفتقدقدرة‌ تبرير عالم‌ الوجود، وتكون‌ أحاسيسه‌ سيّئة‌ وحياته‌ بائسة‌.

تشبيه‌ الفطرة‌(العقل الفطريّ) ببذور النبات‌

يمكن‌ بدراسة‌ التّعليمات‌ الدّينيّة‌ الوصول‌ اإلي‌ هذه‌ النتيجة‌، وهي‌ أنّه‌ لا يمكن‌تشبيه‌ الفطرة‌ أو العقل‌ الفطري‌ بصفحة‌ بيضاء، ليس‌ لها طبيعة‌ ذاتية‌، وأفضل‌ تشبيه‌للعقل‌ الفطري‌ في‌ التعليمات‌ الدّينيّة‌ هو تشبيهه‌ بالبذور النباتيّة‌، فكل‌ّ منها ذات‌خاصية‌ معيّنة‌، إذا بذرت‌ في‌ ظروف‌ خاصة‌ وبيئة‌ مناسبة‌ فإنّها تنمو وتتفتّح‌. لکن تشبیه ذهن الإنسان فی بدء تولّده بالصّفحة البیضاء صحیح و یمکن الدّفاع عنه.

إن‌ّ الإنسان‌ إذا ما جعل‌ في‌ بيئة‌ توحيدية‌ فقط‌ فإنّه‌ ـ حسب‌ التعليمات‌ الدينية‌ـ يتلقّي‌ التّعليمات‌ الدينيّة‌ ويقبلها ثم‌ يستخدمها، فتتفتّح‌ بذور فطرته‌، وتتفجّر طاقاته‌بالقوّة‌. ويعتبر الإمام‌ علي‌ّ(ع) أن‌ّ إحدي‌ المهام‌ الرئيسية‌ للأنبياء والأديان‌ الإلهية‌ هي‌تفتّح‌ الذّخائر العقلية‌ ويمكن‌ الإستنتاج‌ من‌ هذا الرأي‌ أن‌ّ الفطرة‌ لا تزدهر إلاّبالتّعليمات‌ الالهية‌.

و سنذکر صفات‌ التيّارين‌ النفسيين‌ الرئيسيين‌ في‌ الاءنسان‌ یعنی العقل و الشهوة فی مقالات آخر إن شاء الله تعالی.

و بناء علي‌ التّعليمات‌ الإسلامية‌ أن‌ّ الفطرة‌ والشهوة‌ متناقضتان‌، إذ “الإنسان‌بسيادة‌ الفطرة‌” و”الإنسان‌ بهيمنة‌ الشهوة‌”، هما في‌ الحقيقة‌ جنسان‌ متناقضان‌،وعلي‌ هذا الأساس‌ فإن‌ّ حاجتهما وحافزهما ونزعتهما مختلفان‌، وفي‌ أغلب‌الأحيان‌ متناقضان‌، ومن‌ الطبيعي‌ فإن‌ّ الإنسان‌ الذي‌ تسوده‌ الفطرة‌ يتمتّع‌ أيضاً بحاجة‌ونزعة‌ ورغبة‌ غريزية‌ وشهوانيّة‌، وللصّنفين‌ المذكورين‌ صفات‌ مشتركة‌ تكون‌ في‌بعض‌ الموارد كالصّفات‌ المشتركة‌ بين‌ الإنسان‌ والحيوان‌. وبعبارة‌ أخري‌ أن‌ّ الإنسان‌الذي‌ تهيمن‌ عليه‌ الشّهوة‌ قد ثبّت‌ في‌ البُعد الحيواني‌، والانسان‌ الذي‌ تسوده‌ الفطرة‌ذو صفات‌ إنسانية‌.

2- العقل‌ المكتسب‌:

إن‌ّ في‌ المنظومة‌ الشّخصية‌ للإنسان‌ عاملين‌: الفطرة‌ والشهوة‌، لهما دور حاسم‌،وكلاهما تيّار باطني‌ “ضمير”، ولا يمكن‌ رؤيتهما. وتقوم‌ العلاقات‌ الإنسانيّة‌ مع‌بعضها البعض‌ بواسطة‌ شبكة‌ الأعصاب‌ المركزية‌، والحصيلة‌ الكليّة‌ لأفعال‌ هذاالجهاز وإنفعالاته‌ تسمّي‌ “العقل‌ المكتسب”‌(العقل المسموع).

و بناء علي‌ ذلك‌ فإن‌ّ العقل‌ المكتسب‌ عامل‌ يربط‌ الإنسان‌ بالعالم‌ الخارجي‌، وبواسطته تكتمل‌ المنظومة‌ الشّخصية‌.

و يمكن‌ إيجاز النتيجة‌ الكلّية‌ للبحوث‌ المتقدّمة‌ في‌ العبارة‌ أعلاه‌، وإعتبار التيّارالمشترك‌ للعقل‌ الفطري‌ والمكتسب‌ مسؤول‌ عن‌ جميع‌ تفاعلات‌ الإنسان‌وسلوكه‌. وإذا أصيب‌ العقل‌ المكتسب‌ بصدمة‌ أثر عارض‌ في‌ جهاز الأعصاب‌المركزي‌، فيحتمل‌ أن‌ لا يزدهر العقل‌ الفطري‌ أيضاً، وسوف‌ لا يبلغ‌ الإنسان‌ النموّالمثالي‌.

و من‌ جهة‌ أخري‌ فإن‌ّ العقل‌ المكتسب‌ ينضوي‌ تحت‌ هيمنة‌ الشّهوة‌ أثر تضعيف‌الفطرة‌ وهيمنة‌ تيّار الشّهوة‌، وينحدر الإنسان‌ أخيراً إلي‌ مهوي‌ سحيق‌. وعلي‌ هذا فإنّه‌ يبقي‌ طريق‌ واحد لإزدهار الإنسان‌، ألا وهو تقوية‌ الفطرة‌ وسيادتها، إذ تؤدّي‌بالإنسان‌ إلي‌ النموّ عند سلامة‌ وسائل‌ إرتباط‌ جهاز الأعصاب‌ المركزي‌، إلّا أن‌ّالإنسان‌ علي‌ كل‌ّ حال‌ مسؤول‌ عن‌ مدي‌ تعقّله‌ أمام‌ تصرّفاته‌ الإرادية‌.

وهناك‌ ملاحظة‌ عملية‌ خطيرة‌، يجب‌ أن‌ نسترعي‌ إنتباهنا إليها دائماً، وهي‌ أن‌ّالعقل‌ المكتسب‌ هو عامل‌ غير نشيط‌، لا يمكن‌ دراسته‌ ومشاهدته‌ منفرداً أبداً.وتؤدّي‌ الحرب‌ بين‌ تيّار الشهوة‌ والفطرة‌ إلي‌ هيمنة‌ أحدهما، ويخضع‌ العقل‌المكتسب‌ لسلطة‌ الغالب‌ منهما.

وأخيراً فإن‌ّ العقل‌ المكتسب‌ سيكون‌ تحت‌ سيادة‌ الفطرة‌، أو ستتولّي‌ الشّهوة‌ زمام‌ أموره‌، فانّه‌ تصبح‌ وحدة‌ العقل‌ المكتسب‌مع‌ أحد التيّارين‌: الفطرة‌ أو الشهوة‌ بصورة‌ تيّار مشترك‌. ولا تتعلّق‌ الصّفات‌ التي‌ تذكرللعقل‌ المكتسب‌ به‌ ذاتياً، بل‌ تتعلّق‌ بأحد التيّارين‌ المشتركين‌: الفطرة‌ والعقل‌المكتسب‌ أو الشهوة‌ والعقل‌ المكتسب‌. ولذا فإن‌ّ الامام‌ علي‌(ع) قد حصر التيّارات‌النفسية‌ الرئيسية‌ للإنسان‌ في‌ تيّاري‌ الشهوة‌ والعقل‌ “العقل‌ الفطري‌” فقط‌.

وبعبارة‌ أخري‌ كما مرّ اخيراً فإن‌ّ إرادة‌ الإنسان‌ هي‌ نتيجة‌ لإختلاف‌ مدي‌ قدرة‌ تيّار الفطرة‌والشّهوة‌، أي‌ إذا كان‌ لفطرة‌ الإنسان‌ قدرة‌ أكثر فانّها تتغلّب‌ علي‌ تيّار الشهوة‌، وتسودعلي‌ الشخصية‌ برمّتها، وإذا إكتسب‌ تيّار الشهوة‌ قدرة‌ أكثر فإنّه ‌يتغلّب‌ علي‌ تيّار الفطرة‌، ويهيمن‌ علي‌ الشخصية‌ بأسرها. و بيّن الإمام علي(ع) هذه الحالة حين يقول: “إلهي قَلبي مَحجُوبٌ و نَفسي معيُوبٌ وَعَقلي مَغلُوبٌ وَهَوائي غالِبٌ  (مفاتيح الجنان لشیخ عباس قمی المعرّب، تعریب: السید محمد رضا النوری النجفی، دعاء صباح).

و بما أن‌ّ الشّهوة‌ عبارة‌ عن‌ تيّار نفسي‌ أعمي‌ وفاقد للوعي‌ والشعور، فالمسؤول‌الرئيسي‌ والحاسم‌ لسلوك‌ الإنسان‌ الإرادي‌ إذاً هو الفطرة‌(العقل‌ الفطري)‌ الذي‌يتمتّع‌ بالبصيرة‌ والشّّعور. إن‌ّ مسؤولية‌ السّلوك‌ والثواب‌ والعقاب‌ قد أنيطت‌ بالعقل‌الفطري‌ في‌ التعليمات‌ الإسلامية‌.

إن‌ّ سيادة‌ تيّارالفطرة‌ بصورة‌ مستمرّة‌ وبالتّالي‌ السيرالمباشر نحو الكمال‌ لدي‌ أناس‌ معدودين‌ من‌ أفراد البشر، أمر يسترعي‌ الإنتباه‌، وقدأطلق‌ عليهم‌ الإسلام‌ إسم‌ “المعصومين‌”، ويتمتّع‌ هؤلاء بمركز خاص‌ في‌ العالم‌، وإنتخبوا من‌ قبل‌ الله لقيادة‌ الإنسانية‌. ويسير بعض‌ الناس‌ منذ البداية‌ نحو الهاوية‌ متأثّراً بأسرته‌ وبيئته‌ وعدم‌ مكافحته‌ لعوامل‌ السقوط‌، وبالتالي‌ تسلّط‌ تيّارالشهوة‌  علي‌ الفطرة‌. ويكون‌ أكثر الناس‌ مذبذبين‌ دائماً بين‌ النموّوالسقوط‌، فهم‌ حصيلة‌ تفاعلات‌ المنجزة‌ بين‌ الشهوة‌ والفطرة‌. ويمكن‌في‌ النهاية‌ أن‌ تتغلّب‌ الفطرة‌، ويسير الانسان‌ في‌ النتيجة‌ نحو النموّ في‌ نهاية‌ حياته‌،ويمكن‌ أن‌ يسمّي‌ ذلك‌ سير متذبذب‌ حَسَنُ‌ العاقبة‌. كما يمكن‌ بعد السير المتذبذب‌أن‌ تهيمن‌ الشهوة‌ علي‌ الفطرة‌ هيمنة‌ تامّة‌ ومستمرّة‌ في‌ آخر الامر، ويسير الإنسان‌ في‌نهاية‌ حياته‌ نحو الهاوية‌، ويمكن‌ أن‌ تسمّي‌ هذه‌ الحالة‌ السير المتذبذب‌ السَّي‌ّءُالعاقبة‌.

 و یمکن أن نقول إنّ الإمام الصادق(ع) قد أشار بهذا التأرجح فی نفس الإنسان حین قال: “یسلک بالسّعید فی طریق الأشقیاء حتّی یقول النّاس: ما أشبهه بهم بل هو منهم، ثمّ یتدارکه السّعادة؛ و قد یسلک بالشّقيّ فی طریق السّعداء، حتّی یقول الناس: ما أشبهه بهم بل هو منهم، ثمّ یتدارکه الشّقاء. إنّ من کتبه الله سعیداً و إن لم یبق من الدّنیا إلّا فواق ناقةختم بالسّعادة(اصول الکافی، ج1، ص154). 

ويثاب‌ الإنسان‌ طبق‌ التّعليمات‌ الإسلامية‌ بعد بلوغ‌ سن‌ّ الرشد علي‌ أعماله‌السّامية‌، ولكن‌ يعاقب‌ علي‌ الأعمال‌ المتدنّية‌ بعد بلوغ‌ سن‌ّ الرشد. وبناء علي‌ ذلك ‌فانّه‌ يمكن‌ ملاحظة‌ الشروع‌ بالنموّ فيه‌ حين‌ زمان‌ التكليف‌، ويمكن‌ الشروع‌بالإنحطاط‌ فيه‌ حين‌ زمان‌ البلوغ‌.

إن‌ّ تغيير اتّجاه‌ الحركة‌ من‌ ذروة‌ التكامل‌ ومن‌ الإنحطاط‌ الشديد نحو الكمال‌ أيضاًممكن‌ تماماً. وعلي‌ ذلك‌ فان‌ّ الفرد يمكنه‌ في‌ سير متذبذب‌ أن‌ يصل‌ إلي‌ أقصي‌النّموّ، ويسقط‌ أثر سلوك‌ خاص‌. ويمكن‌ العكس‌، وذلك‌ أن‌ يهبط‌ الفرد إلي‌ أقصي‌حدّ، ويصعد إلي‌ ذروة‌ الكمال‌ نتيجة‌ عثوره‌ علي‌ البصيرة‌ والتّدارك‌، ويمكن‌ أن‌ يبرز تغييرات‌ كهذه‌ طيلة‌ تاريخ‌ البشر بصورة‌ مكرّرة‌.

إن‌ّ التيّار السائد “الفطرة‌” أو “الشهوة‌” يعيّن‌ الدور الحاسم‌ في‌ المنظومة‌ الشخصية‌ دائماً، ويفصح‌ التيّار الضّعيف‌ عن‌ صفاته‌ في‌ نطاق‌ التيّار السائد، وحينما يسود تيّارالفطرة‌ تعرض‌ الشّهوة‌ نفسها بصبغة‌ عقلية‌ وفطرية‌، وترضي‌ القدرة‌ بتلبية‌ الرّغبة‌ إلي‌الأكل‌ ورفع‌ العطش‌ وإلي‌ النّوم‌ والشّهوة‌ الجنسية‌ في‌ الإطار العقلي‌. وبالعكس‌ فإن‌ّالفطرة‌ لا تقدر علي‌ عرض‌ نفسها بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ عند هيمنة‌ الشهوة‌. وكما جاءفي‌ التعليمات‌ الإسلامية‌ فان‌ّ تيّار الشهوة‌ يعمل‌ في‌ هذا الحال‌ عمل‌ الحجاب‌،ويمكن‌ تشبيه‌ ذلك‌ بمصباح‌ درّي‌ّ تحيط‌ به‌ طبقة‌ من‌ الزفت‌، ومهما إستمرّ المصباح‌ في‌ الاضاءة‌ إلاّ أن‌ّ الحجاب‌ المزفّت‌ يحول‌ دون‌ بث‌ّ نوره‌ إلي‌ الخارج‌. وكذلك‌ الأمر في‌ هيمنة‌ الشّهوة‌، فإن‌ّ الفطرة‌ تفقد قدرة‌ ضبطها علي‌ تيّار الشهوة‌، وتبرز جميع‌تصرّفات‌ الإنسان‌ بدون‌ ضبط‌ العقل‌ الفطري‌، ويشبه‌ سلوكه‌ في‌ النهاية‌ سلوك‌الحيوان‌.

إن‌ّ الشهوة‌ الرئيسية‌ للإنسان‌ هي‌ نزوعه‌ إلي‌ الإستقلال‌ وقطع‌ صلته‌ بالله، إذ تمكّنه‌من‌ إشباع‌ سائر شهواته‌ ورغباته‌ بحرّية‌ تامّة‌. وأن‌ّ مكافحة‌ هذه‌ الرّغبة‌ علي‌ أساس‌كبح‌ جماح‌ سيطرة‌ الشّهوة‌ علي‌ الفطرة‌ وقبول‌ إنتماء الإنسان‌ إلي‌ الله والإمتثال‌ لأوامره‌ في‌ جميع‌ الأعمال‌ خلال‌ مراحل‌ الحياة‌، يبرز المفهوم‌ الحقيقي‌ للنموّ. ويعتبربلوغ‌ التعادل‌ في‌ التعليمات‌ الدينية‌ معياراً لسلامة‌ الفكر، والمراد سيادة‌ الفطرة‌ وتقييد الشّهوة‌. ويعتبر الإمام‌ علي‌ّ(ع) الوصول‌ إلي‌ مدارج‌ الكمال‌ منوطاً بتنسيق‌جميع‌ الا´ثار المتعلّقة‌ بعامل‌ الحياة‌. وعلي‌ هذا فإن‌ّ إعتدال‌ المزاج‌ يظهر بإعتدال‌القوي‌ الطبيعية‌، وبإعتدال‌ المزاج‌ تكمل‌ القدرة‌ النفسية‌ للفرد، ويظفر بمدارج‌الكمال‌ بزيادة‌ القدرة‌ النّفسية‌ للفرد، ويمكن‌ إعتبار معيار الإعتدال‌ أساس‌ السلامة‌النفسية‌.

فإن‌ّ الهدف‌ ومسيرة‌ الحياة‌والحافز لدي‌ الفرد الذي‌ تتحكّم‌ فيه‌ الفطرة‌، يختلف‌ إختلافاً كلّياً مع‌ من‌ تتحكّم‌ فيه‌الشّهوة‌، فهدف‌ الفرد الذي‌ تتحكّم‌ فيه‌ الفطرة‌ هو الوصول‌ إلي‌ الرّشد وتبوّء القرب‌الإلهي‌ وأداء الواجب‌، ولديه‌ خلال‌ الحياة‌ دافع‌ كلّي‌ فحسب‌، وذلك‌ الدافع‌ ناجم‌عن‌ الإحساس‌ بالواجب‌، ويتجاوز في‌ كل‌ّ لحظة‌ نقطة‌ إنطلاقه‌ عبر مدار التوحيد.

– لا یتحقّق إنطلاق الفطرة نحو الکمال إلّا بتطبیق التعلیمات الدینیّة فقط، و ستخلد الفطرة إلی الرّاحة فی هذه الحالة. و فی حالة عدم تطبیق التعلیمات الدینیة فإنّها تصاب بالخمول و الأفول ، و تشعر بالإضطراب و الندم و الغبن ، و یکون الفرد فی ضنک   من العیش.

الفطرة لا تتحمّل ایّ محدودیة عند سیرها صوب الکمال و فی الحقیقة أنّها منهومة و لا یمکن إشباعها فی هذا المجال و سیرها إلی الکمال لا نهایة له.

و من جانب آخر أنّ الفطرة فی حرب دائمیة ضدّ تیّار الشهوة و هذا لأجل الحصول إلی أهدافها التّکاملیة.

و بناء علی التّعلیمات الإسلامیة و التّجارب الّتی حصلنا علیها من خلال التاریخ، أنّ السیر الدائمی للفطرة نحو الکمال یمکن حصولها مع إتیان التّعلیمات الإلهیّة فقط؛ و إن قبل الإنسان هذه المبادیء و عمل بها و یستمرّ علیها دائما و یقاوم ضدّها و یقوم هو بإرشاد الآخرین و فی النتیجة یهییء  البیئة لإتیان الأعمال المشابهة، فحیئذ سیحصل الرّشد بإذن الله تعالی. و إن أهمل فی الجوانب الآنفة الذّکر کلّها أو بعضها سیسقط الإنسان. و هذا منطوق سورة العصر إذ یقول تبارک و تعإلی: “والعصر. إنّ الإنسان لفی خسر. إلّا الّذین آمنوا و عملوا الصّالحات و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصبر”

یمکن ان نعبّر أنّ طریق الرشد هو طریق انحصاری و أیّ عقیدة أو آیدیولوجیة أخری تکون  مقبولا و متبعا لعدم  وعی الفرد، ستکون وسیلة للإنحراف عن طریق الرشد. و فی هذه الحالة کلما تحرّک الإنسان فی هذا المسیر سیبتعد أکثر فأکثر من مسیر الرشد. وهذا ما قاله الامام الصادق ع : “العامل علی غیر بصیرة کالسائر علی غیر الطریق لا یزیده سرعة السیر إلّا بُعدا(اصول الکافی، ج1، ص54). بناء علی ما ذکر، أنّ سیطرة تیار العقل الفطری علی تیار الشهوة أمر لازم فی الإنسان. و قال الإمام علی(ع) فی المعاویّة: “سَأجهَدُ أن أطَهّر الأرضَ مِن هَذا الشَخصِ المعكوُسِ و الجِسمِ المَركُوسِ.    (نهج البلاغة فيض الإسلام، ج5، ص962)؛ و هذا الّذي أشار إليه علي(ع): “الهَوي هَوي إلي أسفَلِ السافِلينَ(غررالحكم، ج1، ص350)

تناوب‌ سیطرة الفطرة‌ والشهوة‌

لقد درسنا نظام الشخصیة فی الانسان‌ المتنامي‌ الذي‌ حكّم‌ تيّار الفطرة‌ علي‌ تيّارالشهوة‌ دائماً خلال‌ مراحل‌ حياته‌، و إیضاً درسنا نظام الشخصیة لدي‌ الإنسان‌ الذي‌ يقضي‌ عمره‌ في‌ الحضيض‌، أي‌ لم‌ تتكحّم‌ فيه‌ الفطرة‌لحظة‌ واحدة‌، ويمكن‌ مشاهدة‌ هذه‌ الحالة‌ في‌ الجماعات‌ التي‌ تعيش‌ في‌ بيئة‌ ذات‌ميول‌ تناقض‌ التوحيد، وفي‌ الفرد الذي‌ فقد قدرة‌ تشخيص‌ طريق‌ الرشاد أيضاً.  و علینا أن ندرس نظام الشخصیة لدي‌ الاناس‌ العاديين‌ الذين‌ لا تتحكّم‌ فيهم‌الفطرة‌ أو الشهوة‌ بصورة‌ جازمة‌ ودائمة‌، وكذلك‌ لدي‌ الفرد الذي‌ تتأرجح‌ فيه‌ سيادة‌التيّارين‌: الفطرة‌ والشهوة‌ـ

عن أبي عبدالله(ع) أنّه قال: يُسلَكُ بِالسَعيدِ في طَريق الأشقياءِ حَتِّي يَقولُ النّاسُ ما أشبهَهُ بِهِم بَل هُوَ مِنهُم، ثُمَّ يَتَدارَكُهُ السَّعادَةُ؛ وَ قَد يُسلَكُ بِالشَّقيِّ في طَريقِ السُعَداءِ، حَتِّي يَقُولَ النّاسُ ما أشبَهَهُ بِهِم بَل هُوَ مِنهُم ثُمَّ يَتَدارَكُهُ الشَّقاءُ. إنَّ مَن كَتَبَهُ اللهُ سَعيداً وَ إن لَم يَبقَ مِنَ الدُّنيا إلّا فَواقَ ناقَةٍ ختم بالسَعاد‌ة0كافي، ج1، ص154)

الإستنتاج‌

يبدو بدراسة‌ التعريفات‌ والمواصفات‌ المارّة‌ الذكر أن‌ّ العناية‌ بعلم‌ النفس‌الإسلامي‌ يمكن‌ أن‌ تبرّر بسهولة‌ العمليات‌ السّلوكية‌ للإنسان‌ وآليات‌ نموّه‌ وإنحطاطه‌من‌ جهة‌، والعناية‌ بأساس‌ الثقافة‌ الإسلامية‌ التي‌ بنيت‌ بصورة‌ عامة‌ علي‌ أساس‌ علم‌النفس‌ الفطري‌ للإنسان‌ من‌ جهة‌ أخري‌، فيمكن‌ إستخدام‌ العلوم‌ الحيوية‌ وعلم‌النفس‌ والطبابة‌ والطب‌ّ النفسي‌ والصحّة‌ النفسية‌ والأخلاق‌ والفن‌ّ والتعليم‌ والتربية‌والعلوم‌ المتعلّقة‌ بالإنسان‌ بصورة‌ عامة‌ في‌ إطار واسع‌. أن‌ّ تأييد وتثبيت‌ النظرية‌السابقة‌ وتدريسها في‌ الجامعات‌ وعبر وسائل‌ الأعلام‌ العامة‌، يمكن‌ أن‌ تعين‌ علي‌توسيعها ونشرها.

 

پیمایش به بالا