المقاييس المرضية و الصحّة النفسية في المدرسة الاسلامية

الدکتور السید ابوالقاسم الحسینی
ترجمة: ناصر النجفي

لقد عرّفت المقاييس المرضية النفسية و الصحّة النفسية كحدّ أدنى و كذلك المقاييس المثالية في المدرسة الاسلامية. و تستطيع المقاييس المرضية أن تساعد في تشخيص المرض، و تلقى عناية من الناحية التشريعية و الجزائية.

و ممّا يسترعي الانتباه في النصوص الاسلامية بوضوح هو أنّه يعتبر الاختلال النفسي مرضاً. و يعفى الفرد من أداء الواجبات الدينية حينما تظهر لديه أعراض قطع الصلة بالحقيقة فحسب، فتعرض بوصفها جنوناً، و حينئذٍ لا يحقّ لأحد أن يتصرّف في ثروته، و لكنّه يستطيع أن يمارس شؤونه اليومية بعد زوال هذه الأعراض.

 

و كان النبي صلّى الله عليه و آله يكره أن يطلق لفظ (المجنون) على من تنتابه الأعراض النفسية، فسمّى هذا الفرد مريضاً ليس غير . قال علي عليه­ السلام: “مرّ رسول الله على جماعة، فقال: علام اجتمعتم؟ فقالوا: يا رسول­ الله هذا مجنون يصرع، فاجتمعنا عليه، فقال: ليس هذا بمجنون، و لكنّه المبتلى. ثم قال: ألا أخبركم بالمجنون حقّ المجنون؟ قالوا: بلى يا رسول­ الله، قال: المتبختر في مشيته، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، يتمنّى على الله جنّته و هو يعصيه، الذي لا يؤمن شرّه و لا يرجى خيره، فذلك المجنون و هذا المبتلى. (الخصال للشيخ الصدوق:332).

و رغم أنّ لفظي (الجنون) و (المجنون) لم يستعملا في القرآن الكريم بصفتهما حكماً تشريعياً أو جزائياً، و أنّ النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لم يعدّ من ابتلي بعارض الصرع و الاختلال النفسي مجنوناً، و أطلق عليه إسم المريض، إلاّ أنّ اللفظين المذكورين قد استعملا في الفقه. و المراد من الجنون إسدال الستر على العقل، و شاعت بين الناس مفاهيم حوله، واعتبروه مشتقاً من (الجنّ) و ناشئاً من مسّ الجنّ، فلا يمتّ ذلك الى الاسلام بصلة.

و جاء تعريف (الجنون) في كتب التفسير و الفقه على النحو التالي: الجنون: من الجنّ، أي التغطية و الستر؛ قال تعالى: فلمّا جنّ عليه الّيل”(الأنعام: 76) و قيل للقلب: جَنان، لأنّه ستر في الجسم، وقيل للولد مادام في رحم أمّه: الجنين، لأنّ بطن أمّه تستره، و الجنين: المجنون و المستور، والمجنون: من ستر عقله.   (مادة “ج ن ن” من قاموس القرآن)..

و الجنون عند الفقهاء: زوال العقل أو اختلاله، بحيث يمنع جريان الأفعال و الأقوال على نهج العقل إلاّ نادراً(دستور العلماء، ج1 ص411).

و على العموم فانّ لفظ (الجنون) الذي استعمل في المقاييس الاسلامية يوضّح معنى قطع الصلة بالحقيقة، إذ يستخدم بغضّ النظر عن عامل ايجاده. و بهذا يشمل قطع الصلة بالحقيقة الذي يلحظ في الذُهان العملي و العضوي و الارتكاسي.

و من الألفاظ الأخرى التي استعملت في النصوص الاسلامية حول الاختلال النفسي “السفاهة” و “الضعف”، قوله تعالی: “فإن کان الّذی علیه الحق سفیهاً أو ضعیفاً أو لا یستطیع أن یملّ هو فلیملل ولیّه بالعدل” (البقرة:282). و عرّف السفيه بالنحو التالي: “السفيه: هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله و الاعتناء بحاله، يصرفه في غير موقعه، و يتلفه بغير محلّه. و ليست معاملاته مبنية على المكايسة و التحفّظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف و العقلاء بوجدانهم، إذا وجدوه خارجاً عن طورهم و مسلكهم بالنسبة الى أمواله تحصيلاً و صرفاً).  تحرير الوسيلة (2: 15) للامام الخميني.

كما أطلق على السفاهة في بعض النصوص أيضاً لفظ الحماقة، و فسّر السفيه بالأحمق. 

عرّف السفه في (قاموس القرآن) بمعنى الحماقة، أي الجهالة، و عرّفه الراغب بأنّه خفّة في البدن، و استعمل أيضاً في خفّة النفس إثر نقصان العقل. و في قوله: “قد خسر الذين قتلوا اَولادهم سفهاً بغير علم” (الأنعام:14)

(بغير علم): قرينه على أنّ السفه بمعنى الجهالة، و السفاهة مترادف مع السفه. و “اِنّا لنرنك في سفاهة”. (الأعراف: 66) بمعنى الحماقة. و السفيه بمعنى الأحمق، قال تعالى: “كان يقول سفيهنا على الله شططاً”.  (الجنّ: 4)

و ممّا يسترعي الانتباه في المقاييس الاسلامية للأعراض النفسية هو (الضعيف)، و قد عرّف هذا المفهوم الذي ورد في القرآن مع السفاهة أيضاً بأنّه (الذي يأخذ أحداً باثنين). و كما يلاحظ فانّ الاختلال في الحساب أساس لتشخيص هذا النوع من الأعراض النفسية.

و في تعريف آخر اعتبر المراد من الضعيف (الأبله)، و يبدو أنّ السفاهة تخلّف عقلي حادّ، و المراد من الضعيف المبتلى بتخلّف عقلي طفيف.

 

پیمایش به بالا