دراسة رغبات الإنسان من نظر علم النفس الإسلامي

الترجمة العربیّة: الاُستاذ هاشم نجفی زاهد

المقدمة

بما أنّ العقل الفطری(الفطرة) و الشهوة غیر منضبطة(هوی النفس) هما متضادّان، فالإنسان الذی سیطرت علیه الفطرة و الإنسان الذی سیطرت علیه الشّهوة هما فی الحقیقة من شجرتین مختلفتین،  و هما متباعدان و متضادّان. و علی هذا الأساس الحوائج و البواعث و المیول الغریزیة و الشّهوانیة فیهما مختلفة تماما. و بالطبع الإنسان الذی تحکمه الفطرة،  له ایضا الرغبات و البواعث و المیول الغریزیة و الشّهوانیة،  و هناک مشترکات بین هاتین الشّجرتین و هذه الإشتراکات تکون شبیهة بالإشتراکات بین الإنسان و الحیوان.  و بعبارة اُخری یمکن القول: أنّ الإنسان الذی هو تحت سیطرة الشّهوة قد ثُبّت فی “البُعد الحیوانی”، و الإنسان الذی هو تحت سیطرة الفطرة یتمیّز بممیزّات انسانیّة.

و هناک بحث و دراسة حول مفهوم “الرغبات” فی علم النفس و إیضا فی علم الصحّة النفسیّة. و نحن نحاول أن نبحث فی الجوانب التکوینیّة فی علم النفس و الجوانب التشریعیّة فی علم الصحّة النفسیّة،  لأجل عدم التکرار فی المطالب. و طبعاً هناک نوع من التّکرار یکون إلزامیا فی أیّ برنامج یقام فی هذا المجال، و لکنّنا نسعی إلی أن نستنتج من مباحث علم الصحّة النّفسیّة نتائج فی مسیر علم النفس و لتبیینه..

و النقطة المهمّة فی هذه الدّراسة و التی یجب أن نلتفت إلیها هی أنّ عدداً من الأشخاص الذین ترتبط بهم مقولة الرغبات، هم جمیع المجتمعات البشریّة فی تمام مدّة أعمارهم؛ و علی أساس إعتقادات الموحّدین فی العالم، أنّ نظرة الإنسان حول طریق الإرضاء لرغباته سیؤثّر فی حیاته الأبدیة،  و أهمّ تلک الرغبات هی “السعادة الأبدیة”  التی لها علاقة وثیقة نحو ارضاء الإنسان لرغباته.

و أکّد السید آبراهام مزلو (Abrahm Maslow) أساس نظرته فی علم النفس علی بیان رغبات الإنسان و هو یعتقد أنّ المسألة الأساسیة فی علم النفس الإنسانی هی “مبحث الرغبات”، و هو یعتقد أنّ فقدان رغبة من الرغبات الأصلیّة او التکاملیة یؤدّی إلی ظهورإختلالات نفسیة إرتکاسیّة و تسمّی هذه الإختلالات “الإختلالات الإفتقادیة للرّغبات”، کافتقاد بعض العناصر و المواد الّتی تؤدّی إلی بروز آثار بدنیّة و إلی أمراض خاصّة، و مثال ذلک نقص الحدید فی البدن یودّّی الی فقر الدم(anemia) و نقص مادة الیُود یؤدّی إلی التّورّم الدّرقی(guiter)و ایضاً أنُّ نقص أیّ فیتامین یؤدّی إلی حصول علامات خاصّة فی جسم الإنسان؛ و علی هذا الأساس أنّ نقص رغبة أو مجموعة من الرغبات یؤدّی إلی ظهور إختلالات نفسیة إرتکاسیة(reactive disorders). و للوقایة من بروز هذه الآثار یجب أن نسعی إلی إرضاء الرغبات و فی برنامج العلاج لهذه العلامات علینا أن نبیّن أی نقص من الرغبات هو دخیل فی بروز هذه الظّاهرة الخاصّة و إیضا علینا أن نحاول لإرضاء ذلک لکی نقضی علی تلک العلامات.

و أنّ تصنیف السیّد آبراهام مزلو لرغبات الإنسانیّة و اقتراحاته فی  “هرم الرغبات”  یتطابق تماما مع الواقع،  و یمکن أن یؤیده علم النفس الإسلامی. و اضافة إلی ما قاله هذا المحقق، أنّ أغلب المدارس النفسیة قد درست مبحث الرغبات الإنسانیة. و نحن نسعی فی هذا المجال إلی أن ندرس الرغبات النّاشئة عن الشهوة و الرغبات النّاشئة عن الفطرة؛ و ایضا نحن نحاول أن نبین هذه الرغبات فی إنسان قد سیطر عقله علی شهوته(المتّقی) و فی إنسان قد سیطر شهوته علی عقله(غیر متّقی) و ایضا فی الحالة الثالثة یعنی فی حالة التأرجح بین هاتین الطاقتین. و نحاول أن نکتشف النّظرة الإسلامیة فی رغبات الإنسان  و نبین رغبة إنسان الذی یبغی الوصول إلی السّعادة الدنیویة و الاخرویة طبقا لعلم النفس الإسلامی.

فمن الطبیعی هناک هدفان من هذه الدراسة و التحقیق هما:

1- تصنیف احتیاجات الإنسان من نظرة علم النفس الإسلامی.

الجوانب التطبیقیّة فی ابعاد الحیویّة، النفسیّة، الإجتماعیّة و المعنویّة.

نعترف أنّ دراسة هذاالموضوع العمیق لا یحصل من عهدة فئة محدودة بشکل کامل، بل یطلب جمع من اساتذة الحوزة العلمیّة و الجامعات، لکی یبذلوا جهدا و طاقة لازمة فی هذا المجال.

منهج الخطة

و یری الاُستاذ محمد باقر حکمت نیا(رحمه الله) أنّه یمکن – بل یجب- الإستفادة من المنابع الأربعة الأساسیّة أدناه فی کشف الآراء الإسلامیّة فی العلوم:

1- القرآن.

2- السّنة، و هی تشمل وصایا النبیّ(ص) و الأئمّة المعصومین(العترة).

3- الفطرة.

4- العلوم السائدة فی العالم.

لقد إنتفعنا فی هذا التحقیق بالمصادر المتقدّمة وفق الرّأی الآنف الذکر ذی الصبغة العقلیّة، و استفدنا خلال دراسة العلوم السّائدة فی العالم من البیولوجیا و علم النفس و علم الطب. و تشاورنا فی مضمار الإستفادة من القرآن الکریم و النصوص الإسلامیّة – فضلاً عن الکتب المصنّفة من قبل علماء الإسلام فی هذا المجال- مع أساتذة الحوزة و الجامعة فی اُسلوب حلّ المشاکل للإطمئنان بتجاربهم، خلال الإجتماعات الخاصّةفی هذا المیدان.

النتائج:

یعتقد العلامة الطباطبائی(رض) أنّ احتیاجات الإنسان قد جائت فی الآیات78-82من سورة الشعراء بوضوح کامل کما یلی:

“الّذی خلقنی فهو یهدین. و الّذی هو یطعمنی و یسقین. و إذا مرضت فهو یشفین. و الّذی یمیتنی ثمّ یحیین. و الّذی أطمع أن یغفر لی خطیئتی یوم الدّین.

فالعلامة یبیّن أنّ تعبیر الهدایة بالله دلیله مصاحب لذاته، حیث أنّ الخلقة من الله و أیضا تدبیر الأمور و من جملتها الهدایة منه جلّ و علی. و نظرا لمفهوم الآیة ، إستنتج العلامة أنّ الهدایة مفهوم مطلق یشمل الهدایة بالمنافع الدنیویّة و الأخرویّة کلیهما. و فی المجموع یبیّن العلامة الآیة المذکورة بالشکل التالی: قوله: «فَهُوَ يَهْدِينِ»- و هو مطلق- أن المراد به مطلق الهداية إلى المنافع دنيوية كانت أو أخروية و التعبير بلفظ المضارع لإفادة الاستمرار فالمعنى أنه الذي خلقني و لا يزال يهديني إلى ما فيه سعادة حياتي منذ خلقني و لن يزال كذلك.

و على هذا فما سيأتي في قوله: «وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي» إلخ من الصفات المعدودة من قبيل ذكر الخاص بعد العام فإنها جميعا من مصاديق الهداية العامة بعضها هداية إلى منافع دنيوية و بعضها هداية إلى ما يرجع إلى الآخرة.

و لو كان المراد بالهداية الهداية الخاصة الدينية فالصفات المعدودة على رسلها و ذكر الهداية بعد الخلقة، و تقديمها على سائر النعم و المواهب لكونها أفضل النعم بعد الوجود.

و قوله: «وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» هو كالكناية عن جملة النعم المادية التي يرزقه الله إياها لتتميم النواقص و رفع الحوائج الدنيوية، و قد خص بالذكر منها ما هو أهمها و هو الإطعام و السقي و الشفاء إذا مرض.

و قوله: «وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ» يريد الموت المقضي لكل نفس المدلول عليه بقوله: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ»: الأنبياء: 35، و ليس بانعدام و فناء بل انتقال من دار إلى دار من جملة التدبير العام الجاري، و المراد بالإحياء إفاضة الحياة بعد الموت.

و قوله: «وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» أي يوم الجزاء و هو يوم القيامة، و لم يقطع بالمغفرة كما قطع في الأمور المذكورة قبلها لأن المغفرة ليست                        (الميزان في تفسير القرآن، ج‏15، ص: 285).

کما نشاهد فی الآیات الآنفة قد ذکرت إحتیاج الإنسان للهدایة بعنوان أولی الإحتیاجات و أنّ الإحتیاج إلی الماء و الغذاء و الإحتیاجات الطبیّة جائت بعد ذلک بدرجات.

لزوم الإستفادة من التفکر النظامیّ فی تقییم الإحتیاجات

عند جمیع الدراسات العلمیّة و بالأخص الدراسات حول الإنسان، إن نستفید من التفکّر النّظامی ستحصل الواقعِیّة بشکل أوفی و نتائج مطلوبة.

فی زماننا هذا أنّ تعریف مفهوم السلامة یشمل ألسلامة فی ابعاد حیاتیّةّ، النفسیّة، الإجتماعیة و المعنویّة و هذا جاء علی أساس التفکّر النظامیّ.

أنّ أوضح مثال للتفکّر النظامیّ و العمل النّظامیه هو الإنسان بذاته. و فی الحقیقة أنّ تصنیف الأبعاد الأربعة الّتی ذکرت آنفا لها جنبة تربویّة، و لکن فی العمل لنا هویّة واحدة و أنّ کلّ الأفعال و ردودها الّتی ترتبط بالسلامة تجری فی هذه الهویّة.

و یمکن القول انّ الإحتیاجات الحیاتیّة للإنسان قد أجملت فی إحتیاجه للماء و الغذاء فی الآیات السابقة. و أکدت فی القرآن الکریم أن هناک إحتیاج مهمّ و هو الإحتیاج بالسلامة الّتی لها أبعاد مختلفة کما شرحها الإمام السجاد ع بشکل کامل.

السلامة بعنوان احتیاج اساسی

أبعاد السلامة من رأی الإمام السجاد(ع)

کما نشاهد أنّ الإمام ع أکّد أنّ السلامة هو عنوان اصلی للإحتیاجات الإنسانیة و إیضا أکّد علی أبدیة هذه الإحتیاجات . و التأکید علی  الحصول بالسلامة الأبدیة بعنوان أبرز الإحتیاجات البشریة، هو من الرسالات الإنحصاریة للأدیان السماویّة؛ حیث جاء فی عصور مختلفة  من تاریخ المجتمعات البشریّة. و علی هذا الأساس أنّ الإنسان هو موجود أبدِیّ. و بالنتیجة یمکن الإنسان أن یکون فی عافیة و هدوء أبدیّ، أو فی عذاب و قلق دائمیّ. و من البدیهیّ تتعلّق النتائج الآنفة الذکر بعمل الإنسان فی کلّ لحظة من لحظاته فی حیاة الدنیا؛ و نحن نبحثها فی ضمن دراسة الأبعاد الشخصیة بشکل إجمالیّ. و یجب التأکید أنّ للإنسان “حقّ الإنتخاب فی حیاته” و لکن علیه أن یعلم أنّ نتائج انتخاباته سوف تکون أبدیة(بررسی مفهوم سلامت و بیماری از دیدگاه اسلام: خلاصه مقالات سلامت از دیدگاه پیامبر اعظم(ص)، 1385، ص6).

والتأکید علی  السلامة بعنوان إحتیاج أساسیّ یؤدّی أن ننظر إلی الفعّالیّات الصحیّة و العلاجیّة کأمر وجوبیّ.؛ و کما عبّر المسیح ع : “التارک المجروح فی جرحه کجارحه لا محالة”  و هذا نقل من الإمام الصادق عن المسیح علیهما السلام (وسائل الشیعة، ج11، ص401).
و هذا الرأی یؤدِّی إلی تغییرات إصلاحیّة واسعة فی مجال الصحة و العلاج العالمیّ و یجب علینا أن نؤکّد علیه.

پیمایش به بالا