رأي الإسلام في الصحّة النفسية و التعلیم و التربیة

الدکتور السید ابوالقاسم الحسینی
الترجمة العربیّة: الاستاذ ناصر النجفي

لقد دوّنت التوجيهات الاسلامية في ميدان التعليم و التربية في كتب عديدة، و نعرض في هذا الفصل بضع فقرات من هذه التوجيهات كعيّنات فقط.

إنّ أيسر عملية للتوجيه الذي يمهّد التطوّر الأساسي في قضايا العلم و التجربة هو جدول الأعمال الذي قدّمه النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بشكل دعاء، قال فيه: ” أرنا الأشياء كما هي”.  فهذا المنشور الموقّر يعلّمنا أسلوب التنقيب العلمي. و لا ينبغي لنا أن نعتسف الكلام و نتبنّى رأياً، بل يجب علينا أن نسعى الى استنباط كلّ ظاهرة كما هي عليه.

 

و أمّا ما تتعلّق بالصحّة النفسية فكما مرّ سابقاً، إذ جاء تحت عنوان “سلامة الفكر و الأبعاد التكاملية النفسية”، و من ثمّ طرق الحيلولة دون الأمراض النفسية. و قد وردت بالنسبة الى المفهوم الأول تعليمات واسعة في صدد طلب العلم في المقاييس الاسلامية، تشجّع الناس على انتهاج التكامل في طلب العلم. و تمهّد هذه التعليمات الوسيعة المدار أيضاً الأرضية للحيلولة دون الأمراض.

و جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “اِنّما يخشى الله من عباده العلماء” (فاطر : 28)، فوفقاً لهذه الحكمة و نظراً الى أنّ فلسفة الحياة نيل التكامل برأي الاسلام، فانّ العلماء هم وحدهم يسيرون في طريق التكامل، و يمكنهم أن ينالوا أقصى مرتبة منه.

و في آية أخرى: “قل هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون”. (الزمر : 9)

تشجّع الناس على طلب العلم. و اعتبر النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم فرق الرتبة التكاملية بين العالم و العابد سبعين درجة، و قال(ص): “بين العالم و العابد سبعون درجة” (منية المريد: 101) و الترغيب و الترهيب (1: 103) و تفسير الفخر الرازي ( 180:2).

و عكوف العالم ساعة على البحث و الدراسة أفضل من عبادة سبعين عاماً . وقال (ص): “ساعة من عالم يتّكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاماً”. (بحارالأنوار 2: 23 و مجمع البيان 421:1)

ونظراً الى تأكيد الاسلام للعبادة فانّ فكراً و تعليماً كهذا لذو مغزى عميق و بصيرة بالغة. كما اعتبرت النشاطات العلمية للعلماء في تعليمات أخرى خيراً من صيام النهار و قيام الليل. و قال(ص): “مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، و يرجح مداد العلماء على دماء الشهداء” (سفينة البحار  2: 220).

فهذه البيانات تفصح عن رسالة هذا الدين في ترغيب المجتمع و تشجيعه على طلب العلم، و إن كان يهتمّ بمقام الصلاة و الصيام و مركزهما.

إنّ الانطلاق في مسير التكامل و الطريق المستقيم يحتاج الى بوصلة تحول دون الانحراف و الضلال، فقد انتهى إلينا هذا الموضوع بصراحة في أقوال عديدة من أئمة المسلمين، و منها قول النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم: “قليل الفقه خير من كثير العبادة، و كفى بالمرء فقهاً إذا عبد الله”. نهج الفصاحة (446).

و قال أيضاً: “فقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد”. المصدر السابق (436).

“إنّ لكلّ شيء دعامة هذا الدين الفقه، و لفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد”. المصدر السابق (179).

“لكلّ شيء عماد، و عماد هذا الدين الفقه”. لمصدر السابق (478)

و شدّد على هذا الأمر كثيراً في التعليمات الاسلامية، و هو أنّه إذا ما تؤدّى النشاطات اليومية بدون إدراك و معرفة، يكون عيث الفرد أكثر من إصلاحه . 

 قال النبي (ص): “من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح”.  (تحف العقول:47).

و تقوم هذه الحكمة على أساس هذه الحقيقة، أنّه إذا لم يكن الانطلاق نحو الهدف تكاملياً، فانّ الفرد كلّما يسير أكثر يبتعد عن الطريق التكاملي أكثر. و قد قال الامام علي عليه­ السلام بصراحة: “يا كميل ما من حركة إلاّ و أنت محتاج فيها الى معرفة”. (تحف العقول: 171 ). و قال الإمام الصادق (ع): العامل علی غیر بصیرة کالسائر علی غیر الطریق، لا یزیده سرعة السیر إلّا بعدا. (اصول الکافی، ج1، ص60).

و لقد أكّد عند طلب العلم وجوب إدراك الموضوع، إذ أفاد الإمام الصادق عليه­ السلام قائلاً: “حديث تدريه خير من ألف ترويه، و لا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا. (بحارالأنوار 1: 118).

پیمایش به بالا